تمر السنون ، ونكبر معها ، وتكبر المسئوليات ، وتتعاظم الالتزامات ، وتتوسع المدارك ، وتتمدَّد الآفاق ، فيزداد فهم الإنسان وتعطشه للاستكشاف ، تحدوه الفضولية ، والفضولية منها الإيجابية ومنها السلبية ، ونعني هنا بالفضولية الإيجابية الفضولية العلمية والثقافية التي تدفع الإنسان للبحث والتمحيص ، بعين فاحصة ، وعقل مستنير ، وهمّة لا يعتريها كلل أو ملل.
فالمنهاج الموضوع من قبل الجهات المختصة ما هو إلا فيض من غيض ، فاتح شهية ، يدفع للتوغل في أدغال العلم والمعرفة والدراية ، فتحديد المعرفة بمنهاج أو كتاب أو دوسية إنما هو انغلاق وجمود ، واجترار لنمط واحد من التفكير . والاكتفاء بالفتات المتساقط من فضلات الخبرات والتجارب ، وبالقطرات المتساقطة من غيوث البحوث والاستقصاء إنما هو تقييد للقدرات واغتيال للمهارات ، وتحجيم للطموحات.
منهاج المدرسة يضع أقدامنا على خط بداية شوط طويل ومضنٍ من العمل الجاد ، والمواظبة والتركيز لبلوغ الهدف المنشود ، فإذا طُلب منك بحث عن موضوع ما ، فلا تكتفي، عزيزتي الطالبة، بنقل المعلومات حرفيا ً عن مصدر ما ، وما أكثرها مصادر المعرفة والتوثيق ، في أيامنا الحاضرة ، في زمن تنوعها وتعدّد منابعها ، والتي تضعنا أمام خيارات ، وتخلق فينا الحيرة ، وفي الخيارات والحيرة حافز لإثراء المعرفة ، وتعزيزها وترسيخها ، فالقيام بالبحث ينبغي ألاَّ يقتصر على أداء واجب ، أو تجنب حرج، أو على رغبة في الحصول على بعض العلامات ، بل عليه أن يتيح لك الفرصة لاكتساب معارف جديدة ، واكتشاف مسارات بديلة ، وأنماط تفكير جديدة ، وريادة فضاءات رحبة، والعمل على فتح نوافذ وأبواب واسعة على عوالم أخرى، من شأنها تعزيز قدرتنا على إيجاد الحلول المناسبة ومعالجة الأمور الطارئة بروح من المسؤولية والواقعية والحداثة.
يقولون : " العلم في الصغركالنقش في الحجر ". وهو قول مبني على تجارب تعاقبت على مر الأيام والسنين ، فمرحلة الدراسة الخالية من أية مسؤولية مادية أو اجتماعية أو بيتية يوجه من خلالها الطالب اهتماماته وقدراته لانتهال العلوم والمعرفة لبناء شخصية اجتماعية ثقافية قادرة على الإحاطة بكل الوسائل الكفيلة بأن تخلق منه عنصراً بانياً وإنساناً رائدا .
وفي هذه المرحلة، يتقوى الجناحان للتحليق للذرى، وغزو فضاءات نجد فيها ضالتنا، وندرك أهميتنا وجدوى جهودنا لتحسين أحوالنا وتحديد أولوياتنا.
لذا اتوجه الى طالبتنا العزيزة لأقول : لا تكتفي بالسطحية ، روِّضي نفسك ودربيها على التعامل مع التكنولوجيا، بوعي وجدية واتزان. فحسن استعمالك لها تُبرز الغاية الحقيقية من اختراعها ، فهي لم تُخترع للتسلية وقتل الوقت ، مع أن التسلية والترويح عن النفس والترفيه أمور ضرورية وأساسية في الحياة ؛ املكي ناصيتها ولا تدعيها تمتلكك فيتحول مسار استعمالها.
وفي بداية هذا العام، تملي عليَّ خبرتي وتجاربي في الحياة وفي حقل التربية والتعليم، وتحفزني غيرتي ورغبتي الصادقة في أن أراكِ مرآة أمينة للصدق والأمانة والاستقامة والانتماء أن أتوجه إليكِ باليسير من الكثير، داعيا إيّاك للتفكير الرصين في كل ما تسمعين وترين وتقرئين، واختيار ما يناسبك، بعد الغربلة والفرز والتمحيص من أجل الارتقاء إلى مستوى المسؤولية. افعلي ذلك ولن تندمي. انظري حولك وتفحصي ما يدور واعتبري، وبذلك لن تعثري ، فسوف تعثرين على كنوز ثمينة، تتجلى في سلوكيات وتصرفات الآخرين ، وأخرى عظيمة الفائدة مدفونة في بطون الكتب ، وماثلة على شاشات التلفاز ومتدفقة من الانترنت والصحف والمجلات ، كنوز تبعث فيك الرضا، وترتفع بك إلى أعلى الذرى، وتجعلك تستمتعين بوافر الجنى ، وتحفزك إلى تحصيل المرتجى فيتحقق المنى.
واعلمي أن العلم سلاحك الذي تقهرين به جيوش الجهل ، وتقطعين أوصال الفشل ، والنور الذي يبدد ظلمات الكسل ، والبلسم الذي يضمد جراح الوجل .
واعلمي أن العلم، مهما اتسع وتعمق، يبقى عقيما إذا لم يُتوج بالأخلاق التي هي الضمان لحياة الكرامة والإنسانية وصمام الأمان الذي يحول دون جنوح العلم وانحرافه صوب هوة التهلكة والضياع.
فافتحي نوافذك ليدخل النور إلى أعماقك ، ودعي رياح الأمل تنفتح في أشرعة قاربك الذي يمخر عباب بحور المستقبل صوب ميناء الأمان والاطمئنان والراحة.
الاستاذ هايل علمات / قسم الثانوي 2012
|